حافظ البرغوثي

لم أفاجأ بالكشف عن التوجهات الخفية لدى ايهود باراك لتأخير الموضوع الفلسطيني والقفز نحو الموضوع السوري حتى يكون اللعب على المسارين نقطة قوة للمفاوض الاسرائيلي، فإن تمسكت دمشق وهي متمسكة دوماً بموقفها تجاه المفاوضات اي استئنافها من حيث توقفت عاد الاسرائيليون الى اللعب على المسار الفلسطيني الضعيف في محاولة لزعزعته بعد ان تمسك الرئيس ابو مازن بالثوابت. واعتقد انني اشرت سابقاً في اكثر من مقال عن ان باراك وجنرالاته يعرقلون خطط السلطة لبسط الأمن والنظام واستغرق الأمر ثلاثة اشهر للسماح لخمسمائة رجل امن للانتقال من اريحا الى نابلس، وفي مستهل حكم الرئيس ابو مازن سألته لماذا لا ينقل قوات من الضفة الغربية الى غزة لفرض الأمن والقانون وينقل قوات من غزة الى الضفة؟ فقال: إن اسرائيل ترفض.
عملياً اسرائيل تجد الوضع الفلسطيني كما هو مثالياً جداً لها ولا تريد تغييره، وهي ستنقل ذلك الى طاولة المفاوضات حتى تفرغ اية لقاءات او مفاوضات من مضمونها. وثمة توافق باراكي- اولمرتي في هذا، حيث يقول اولمرت ان اي اتفاق لن ينفذ الا اذا تم تطبيق المرحلة الاولى من خارطة الطريق بدقة، وبدأ الاسرائيليون يتحدثون عن ان وقف اطلاق الصواريخ من غزة هو مسؤولية السلطة، وهم بالتالي سيتخذون من ذلك ذريعة لوقف اي اتفاق.
يستطيع الاسرائيليون ان يخترعوا ويختلقوا المبررات والاعذار للتنصل من اي التزام، لكن الحقيقة هي ان الخاسر الاكبر هو الولايات المتحدة راعية لقاء انابوليس لأنها بعد كل هذه الجولات والاتصالات ستكشف عن نفسها كقوة غير قادرة على التأثير، وأظن ان الاميركيين قادرون على فعل الكثير إن ارادوا عدم اضافة فشل سياسي الى فشلهم العسكري في المنطقة. ففي مفاوضات كامب ديفيد عندما تصلب مناحيم بيغن استدعى الرئيس كارتر وزير خارجيته موشيه دايان وقال له بالحرف الواحد "قل له ألا ينتظر سنتاً واحداً منا بعد الآن"، وسرعان ما تهاوى بيغن وشارون معه الذي ركب جرافة ودمر مستوطنة يميت بعد ان كان مدافعاً عن بقائها وعدم الانسحاب منها.
وفي مؤتمر مدريد جمد الاميركيون ضمانات القروض وقدرها عشرة مليارات دولار امام تصلب اسحق شامير فلان وخضع لكنه استخدم تلك المليارات لتمويل الاستيطان، والآن يستطيع الرئيس بوش ان يقول لاولمرت وليبرمان وشاس وباراك.. سأترك الملف النووي الايراني كما هو عندما اغادر البيت الابيض، وعندها سيبركون على ركبهم كالبعير ويخضعون، فاسرائيل لا تفهم سوى لغة الوعيد والتهديد وما عدا ذلك هراء.